معالجة الإسلام للمشاكل الإجتماعية، مشكلة الفقر و البطالة، و مشكلة الزنا أنموذجا :





  جامعـة عبد المالك السعدي                               
كليـة الآداب والعلوم الإنسانـية                                   
  مسلك الدراسات الإسلامية                                  

من إعداد الطالب: محمد فتيش                                 

معالجة الإسلام للمشاكل الإجتماعية، مشكلة الفقر و البطالة و مشكلة الزنا أنموذجا :
           منذ أن وصل الإنسان إلى الأرض، و منذ لحظاته الأولى في  هذا العالم، كان  قدره  أن  يواجه  مشكلة  تلو  الأخرى،  مشاكل  اجتماعية  لا  حصر لها،  لا تكاد  تخبوا  نار واحدة  منها  إلا  و فوجئ  باندلاع  أخرى ... فالإنسان  في  هذا العالم  هو  مرمى لهذه  المشاكل  التي تارة  تكون  نتيجة  لعوامل خارجية و تارة أخرى يكون هو  المسؤول  الأول و الأخير عن  حدوثها ... و لما  كان  الأمر كذلك فقد سعى الإنسان إلى أن يجد حلا مناسبا في  كل مرة اعترضته مشكلة ما، و الإنسان  في هذا العالم لم يخلق  عبثا و وجوده هو  لحكمه  إلهية ، قال الله عز و جل: " أفحسبتموا  أنما  خلقناكم عبثا و أنكم إلينا  لا  ترجعون " ( المؤمنون 115) .
و من هذه الحقيقة فقد اقتضى  الأمر  ألا يترك  هذا الإنسان بلا دليل  و لا مرشد، و هنا  تدخلت  العناية  الإلهية ، فأرسل الله عز و جل رسله إلى عباده ليخرجوهم من عبادة العباد  إلى عبادة  رب العباد، و من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا و الآخرة، ومن  جور الأديان  إلى عدل الإسلام .
إن دين الإسلام هو دين  الله  تعالى، والشريعة التي جاء  بها محمد  صلى الله  عليه و سلم من  عند  ربه سبحانه و تعالى هي الشريعة  الخاتمة،  و هذا ما لا ريب  فيه  حيث  يأفل  نجم  الظن لدى كل مشكك في هذه الحقيقة بالنظر فيما احتواه  كتاب  الله  تعالى  من  حقائق  في  كل  الميادين و من  هذه  الحقائق  ما جاء في القرآن الكريم من حكم عظيمة و  تعامل  منقطع  النظير مع المشاكل الاجتماعية، إذ أن الإنسانية جمعاء لم تعش  في فترة  من فترات  تاريخها  الطويل  حياة  اجتماعية نقية هادئة متوازنة مثلما  عاشتها يوم كان الإسلام مظلتها و شريعته  أسلوب  حياة  لها.
معالجة الإسلام للمشاكل الاجتماعية :
لقد اتخذ الإسلام طريقا مميزا في تعامله  مع المشاكل  الاجتماعية، فقد و ضع  أمامه  خطتين  أساسيتين تقومان على حراسة المجتمع من الآفات  التي  من  شأنها أن  تعترضه،  وهاتان الخطتان تعتبران الحل الأنسب لكل مشكلة اجتماعية، الخطة الأولى و هي التي تتمثل في الحلول الوقائية التي تكون بمثابة  قطع الطريق أمام كل ما من شأنه أن يسبب  في ظهور المشكلة و خروجها  للوجود، أما  الخطة  الثانية  فهي عبارة عن حلول علاجية اتخذها الإسلام ليقطع رأس كل مشكلة اجتماعية ظهرت في المجتمع فيستأصلها و يخلص المجتمع من  ويلاتها ،و فيما  سيأتي  سنتحدث  بشيء  من التفصيل عن  كل  خطة  على  حدة و سنقدم نماذج لبعض المشكلات  الاجتماعية  و تعامل  الإسلام معها ...
الإسلام في مواجهة مشكلة الفقر :
الخطة الأولى وتتمثل في الحلول الوقائية :
لقد كان الإسلام حريصا على سلامة المجتمع فعمل على سلامته بسن  مجموعة من الأوامر  على  الفرد المسلم، تكون بمثابة حلول  علاجية  لمشكلة  متوقعة. و من المشاكل التي  عالجها  الإسلام  مشكلة الفقر و البطالة فبأي  وسيلة عالج الإسلام هذه المشكلة ؟
أ - الحث على العلم و التعلم :
لقد اتخذ الإسلام لحل مشكلة الفقر و البطالة طريقا عمليا  متدرجا  مبني   على قيمه  و أحكامه، فقد ركز النبي صلى الله عليه و سلم على حث أبناء المجتمع على تعلم  بعض الأعمال و المهن و الصناعات  كما كان يفعل أنبياء الله صلوات الله و سلامه عليهم و على  رأسهم حبيبنا  المصطفى صلى الله  عليه و  سلم  حيث ضرب لأبناء مجتمعه المثل الأعلى في الأكل من عمل يده حيث كان عليه الصلاة و السلام يرعى الغنم لأهل مكة  فقد  قال  صلى الله عليه و سلم :"  ما من نبي إلا وقد رعى الغنم، قالوا: وأنت يا رسول الله؟  قال: نعم  كنت  أرعاها  على قراريط  لأهل  مكة ".و قد  قال عليه  الصلاة  و السلام  مؤكدا  لهذا  المعنى :" ما أكل أحد طعاما خير من أن يأكل من عمل  يده  و إن نبي الله  داوود  كان  يأكل  من عمل يده ".
ب- التشجيع على المبادرات الاقتصادية :
شجع  رسول  الله المشاريع  الاقتصادية  بين المسلمين، وحثهم  على  المزارعة،  كما  فعل الأنصار مع إخوانهم  المهاجرين  الفقراء،  الذين  قَدموا على المدينة و هم تاركو أموالهم  بمكة. فقالت الأنصار للنبي صلى الله عليه و سلم : اقسم  بيننا  و بين  إخواننا  النخيل . فقال :لا .فقالوا : تكفوننا  المؤنة و  نشارككم الثمرة .فقالوا : سمعنا و أطعنا .
و قد  سلك  الصحابة رضوان الله  عليهم الطريق  الذي رسمه لهم  نبيهم عليه الصلاة و السلام، فها أنت ترى عبد الرحمن ابن عوف يوم هاجر إلى المدينة و ليس معه لا درهم و لا دينار وقد آخى النبي  صلى الله  عليه  و سلم بينه  و بين  سعد  ابن  الربيع ،و كان كثير المال . فقال  سعد  ابن  الربيع  : قد  علمت الأنصار أني من أكثرها مالا، سأقسم مالي بيني  و بينك  شطرين، و لي  امرأتان  أنظر  أعجبهما   إليك فأطلقها، حتى  إذا حلت  تزوجتها . فقال  عبد الرحمن : بارك  الله  لك  في  أهلك،  دلني  على  السوق.
فذهب رضي الله  عنه  إلى السوق  فباع  و اشترى إلى أن صار معه مال فتزوج ...
ت - النهي عن اكتناز الأموال :
لقد نهى الإسلام أيما نهي عن اكتناز الأموال  و الإستأثار  بها  لما  من شأن هذا الفعل الشنيع  أن  يغرق المجتمع في طبقية اجتماعية تصنف المجتمع إلى  فئة  تعرف بالغنى الفاحش  أخرى بالفقر المدقع،  لدى نهى القرآن الكريم بشدة .قال سبحانه :" والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم. يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم  وجنوبهم  وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون" (سورة التوبة: 34 -  35)
الخطة الثانية وتتمثل في الحلول العلاجية :
أ - فرض الزكاة على الأغنياء من أبناء المجتمع :
لقد كفل الله عز و جل لجميع عباده رزقهم و معاشهم في هذه الدار .قال سبحانه و تعالى : " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها "  ثم جعل الأرزاق  بين  عباده  متفاوتة  ففيهم الغني و الفقير و  في ذلك  حكمة منه سبحانه و تعالى .و من أجل هذه الحكم أن يقدم الأغنياء عطايا مما رزقهم الله تعالى لإخوانهم الفقراء، ففرض الله سبحانه و تعالى فريضة الزكاة  على  الأغنياء من عباده   فقال  سبحانه  : " وأقيموا الصلاة  وآتوا الزكاة  واركعوا  مع الراكعين "  ( البقرة / 43) .و رغب   سبحانه   في  إخراجها  فقال تقدست أسماؤه " و رحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين  يتقون  و يؤتون  الزكاة و  الذين  هم  بآياتنا يؤمنون " ( الأعراف 156 ) .و لم يكتفي الشرع الحنيف  بفرض  الزكاة و الترغيب  في  إخراجها،  بل سلك طريق آخر تأكيدا لتحقيقها ، و هو النهي و التحذير الشديد و الوعيد لمن امتنع عن أدائها .قال تعالى : " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه و استغفروه وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة و هم بالآخرة هم كافرون " (  فصلت 6-7 ).
ب - الترغيب في الصدقة :
 و شرع كذلك الصدقة التي هي أعم من الزكاة بحيث  تتيح  الفرصة  أمام  كل  شرائح  المجتمع في دفع مشكلة الفقر و إمكانية  إخراجها  في  أي   وقت من الأوقات فلم يحصرها سبحانه في وقت دون آخر بل جعل صلاحيتها و إمكانية دفعها لمن هم في حاجة إليها في أي قت  كان . قال سبحانه و  تعالى : " الذين ينفقون أَموالهم بِاللَيلِ والنهار سرا وعلاَنية فلهم أَجرهم  عند ربهِم  و لا خوف  عليهِم  ولا هم يحزنون " ( سورة البقرة الآية 274 ).
و قد  بارد  رسول  الله  صلى  الله عليه و سلم في التحبيب إلى الصدقة و لم يخصها بالمال و إنما جعلها تضم كل ما يلبي حاجيات المجتمع،  وكان هذا يوم  وجدت فئة من المسلمين لا تغطي أجسادهم إلا أثواب ثقبت  من  وسطها  ليخرجو منها رؤوسهم فتألم  الحبيب  المصطفى لحالهم   و صاح في  أصحابه  قائلا :  "تصدقوا قبل أن تصدقوا، تصدق رجل من ديناره، تصدق رجل من درهمه، تصدق رجل من بره، تصدق من تمره، من شعيره،لا تحقرن شيئاً من الصدقة ولو بشق تمرة " رواه مسلم .
و هكذا  استطاع  الإسلام  بتعاليمه  السماوية أن يتجاوز مشكلة عسرت على حلها العقول و الألباب التي شربت من غير مائه ، و ها أنت ترى  بالمقابل  في زمن  الخليفة الراشد  عمر ابن  عبد  العزيز  الزكاة يخرجها المسلم  فلا يجد لمن يدفعها، فسبحان من لم تحد الحكمة عن تصرفاته ...سبحانه ...
الإسلام في مواجهة مشكلة الزنا :
الخطة الأولى و تتمثل في الحلول الوقائية :
لقد أخذ الإسلام طريقا قويما  ليمنع  حدوث  ظاهرة الزنا  في  المجتمع،  فقام بخطوات باتجاه الوقاية من حدوثها  و  ترك  الفرد  بعيدا  عن  سبلها  متحصنا  من السقوط  في مستنقعاتها .و سنذكر جملة من هذه الخطوات فيما سيأتي  بإذن  الله.
أ – الأمر بغض البصر :
إن من  أكبر  الأمور التي  يمكن  أن  تكون  طريقا للزنا هي فتنة النظر لذى وجه الحق سبحانه و تعالى عباده على غض بصرهم  عن  الحرام  فقال  سبحانه : "  قل  للمؤمنين يغضوا  من أبصارهم و يحفظوا فروجهم  ذلك  أزكى  لهم  إن  الله  خبير  بما  يصنعون " (النور 30 ).  فقد أمر سبحانه  بغض  البصر لأن إطلاقه  طريق  للوقوع  في  الزنا .
ب – توجيهات في آداب اللباس و المشي :
إن أكثر ما  يوقع  الرجال  في ثوران الشهوة و هيجانها و البدء بالتالي في طريق البحث عن قضائها في غير ما شرع الله لعباده،  هي تلك البصمات التي تخلفها النساء في قلوب الرجال من خلال أعمال أبرزها و أهمها الألبسة المغرية الكاشفة عن  محاسنهن  المحركة  لغرائز الرجال، وكذلك المشية التي تحمل في طياتها  العديد  من النداءات  السيئة و التي  تخترق قلوب الرجال أكثر بكثير مما تفعله الحراب والنبال . و لأجل هذا فقد أمر الإسلام الحنيف  المرأة  بالتستر و إخفاء زينتها و التأدب  في  المشية ،  قال  تبارك و تعالى : " و قل للمؤمنات يغضضن  من أبصارهن  و يحفظن  فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها و ليضربن بخمرهن على جيوبهن ..." ( النور 31) . بالإضافة إلى هذا فقد نهى الشارع المرأة عن الخروج من البيت وهي متعطرة، قال عليه  أفضل الصلوات و  أزكى  التسليم : " أيما امرأة خرجت من بيتها مستعطرة، ثم مرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية "
ت – تحريم الخلوة مع الأجنبية :
معلوم بالفطرة أن خلوة الرجل بالمرأة تولد لدى الجنسين حالة من الرغبة في ارتكاب الفاحشة  لما يوقعه الشيطان بينهما من تزيين الواحد للآخ، قال رسول الله  صلى الله  عليه  و سلم : " لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما " و قد أمر الحق سبحانه  و  تعالى  النساء  بالمكوث في البيوت تفاديا للاختلاط المحرم، قال سبحانه : " و قرن في بيوتكن و لا تبرجن تبرج  الجاهلية  الأولى " ( الأحزاب 33 ).
ج – التحذير من عواقب الزنا :
و قد حذر  الإسلام  أيما  تحذير كل فرد مسلم من الوقوع في آفة الزنا و بين له آثارها المدمرة و عواقبها الوخيمة، قال  تعالى : " ولا تقربوا الزنا  إنه  كان  فاحشة  و ساء  سبيلا  "( الإسراء 32 ) و قد  روى البخاري و مسلم عن النبي صلى  الله  عليه  و سلم أنه قال : " لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن " . و لقد أشاد ديننا الحنيف بالذين ينزهون أنفسهم عن إتيان هذه الآفة الاجتماعية  و حرصهم على  سلامة المجتمع من الرذائل فوعدهم بأن لهم الجنة تحفيزا  لهم  على مواصلة الدرب،  قال تبارك و تعالى : " قد أفلح المؤمنون الذين هم في  صلاتهم  خاشعون  و الذين  هم  عن  اللغو  معرضون  و الذين  هم  للزكاة  فاعلون و الذين هم لفروجهم حافظون ... أولئك هم الوارثون  الذين يرثون الفردوس هم  فيها   خالدون  " ( المؤمنون 1 – 11 ).
د – الترغيب في الزواج :
ومن  التوجيهات  الإسلامية في سد منافذ الشيطان للحيلولة دون وقوع أفراد المجتمع  في مشكلة الزنا أن حثهم على الزواج و رغبهم فيه بشتى أنواع المطالب  الإنسانية، فرغبهم  فيه  تارة  بإظهار النعمة  التي تحصل للمتزوج من سعادة و أنس بشريك الحياة .قال تعالى: " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم  أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون  " ( الروم 21 ) .ورغبهم فيه تارة أخرى بأنه طريق لمن يلتمس الغنى فقال صلى الله عليه و  سلم : "  ثلاثة حق على  الله  عونهم ... - و ذكر من بينهم - ...المتزوج يريد العفاف " 
ه – الترغيب في العفة و صون النفس عن الحرام للذين ليست لهم القدرة على الزواج:
و بما  أن  غريزة  الجنس  تنال  من  الإنسان  و  هو لا يزال في أيام شبابه الأولى التي تكون في غالب الاحيان   فترة  مبكرة  على الفرد في تحمل المسؤولية و مواجهته لأكبر مشكل يحول بينه و بين الزواج و هو المشكل المادي، فقد دعى الإسلام هذه الفئة إلى التعفف  عن الحرام و الصبر إلى أن يغنيهم الله من فضله و في هذا الشأن قال سبحانه و تعالى : " وليستعفف الذين ل  يجدون  نكاحا  حتى  يغنيهم  الله  من فضله " ( النور 33 ). إضافة  إلى ذلك فقد دعى الإسلام المجتمع إلى تزويج العزاب  و رغب  في  ذلك و بيان  أنه  سبحانه  سيغنيهم  من فضله   بزواجهم  هذا   فقال   جل  شأنه : " و أنكحوا الأيامى   منكم و الصالحين  من  عبادكم  و  إمائكم  إن يكونوا   فقراء   يغنيهم  الله   من  فضله  و  الله  واسع  عليم "  .( النور، 32 ).
و بهذه  الحلول  العلاجية  يكون الإسلام  قد  قضى شوطا  طويلا في مواجهته لمشكلة الزنا التي هي من أعظم البلايا التي تصيب البشرية حيث أنها كانت سببا في تسلط العديد من  العقوبات  السماوية  فأهلكتهم و أبادتهم .
الخطة الثانية و تتمثل في الحلول العلاجية :
و حتى تكون معالجة الإسلام لمشكلة الزنا معالجة متكاملة دأب  شرعنا الحنيف إلى تقديم حلول  علاجية تتصدى لهذه الآفة إن هي أشرفت عن تجاوز الحدود، و من  هنا  نجد  أن  لإسلام قد  تصدى  للمخالفين بعقوبات رادعة ترغم كل من يفكر في ارتكاب هذه الجريمة أن يرجع عما عزم عليه، ومن الحلول  التي قدمها  الإسلام  في  هذا الباب ما يلي :
أ – فرض عقوبة حد الزنا على الأعزب :
واجه الإسلام المخالفين من العزاب بالحد و هو مئة جلدة و تغريب عام، و أمر سبحانه و تعالى أن يشهد على إقامة الحد طائفة من المؤمنين و ما ذاك إلا ليتعظ المجتمع و يدفع عنه كل فكرة توحي له باقتفاء أثر الزنا ، فقال تعالى : " الزانية و الزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة، و لا تأخذكم بهما رأفة في  دين الله إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر و ليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " ( النور ، 2).

و من الحلول العلاجية التي كانت لها آثار واضحة على المجتمع في القضاء و الحد من انتشار ظاهرة الزنى، تلك العقوبة التي واجه بها الإسلام كل محصن طاوعته نفسه على اقتراف جريمة الزنا فأجابها إلى ما دعته إليه، و في هذا ما أخرج  البخاري  من حديث  ابن عباس  رضي الله عنهما قال:  لما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم قال له: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت، قال: لا، يا رسول الله، قال: أنكتها، لا يكني، قال: فعند ذلك أمر برجمه. و أخرج مسلم عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم.
ت – التصدي لكل هجوم فكري أجنبي هدام :
لم يكتفي الإسلام في معالجته لمشكلة الزنا في فرض عقوبات على المخالفين و إنما تصدى كذلك لكل أشكال العدوان الخارجي التي  يستهدف المجتمع من خلال هجوم فكري و أخلاقي هدام يتميز بالإباحية  و الانحلال، فحذر الإسلام أفراد مجتمعه بالتشبه بالكفار و اتباعهم في عاداتهم و ما تمليه عليهم أهواءهم ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من تشبه بقوم فهو منهم " . و إنا لنجد الإسلام ينهي بشدة عن الإقامة بديار الكفر لما لها من آثار خطيرة على تكوين الشخصية و استقامة التربية.
و بهذه العقوبات التي سنها الإسلام صارت حالات الوقوع في آفة الزنا محصورة جدا بحيث لو أنك أردت أن تقوم بدراسة اجتماعية في مشكلة الزنا و أردت أن تقدم لك إحصاءات عن حالات الوقوع فيها فإنك ستجدها معدودة على رؤوس الأصابع ليس إلا.
و هكذا استطاع الإسلام بتوجيهاته السامية الحكيمة أن يخرج المجتمع من براطيم هذه المشكلة الاجتماعية التي أرقت الأمم منذ العصور الأولى و إلى يومنا هذا.
و إن دل هذا على شيء فإنما يدل على سماوية التشريع الإسلامي و صدق نبوة محمد صلى  الله  عليه  و سلم .
           و بعد تتبعنا و استقرائها لمعالجة الإسلام للمشاكل  الاجتماعية من خلال مشكلة الفقر و البطالة و مشكلة الزنا أنموذجين، توصلنا إلى أن الإسلام صار على نهج مدروس لتفادي الوقوع في المشاكل الاجتماعية فقد قام أولا على حلول وقائية تمثلت في نقاط أبرزها :
        è تحريم كل ما يؤدي إلى نشوء المشاكل الاجتماعية .
        è حث أفراد المجتمع و ترغيبهم في القيام بأعمال تسهم في التصدي لظهور أي بوادر لمشاكل اجتماعية محتملة.
        è وعد كل من أسهم في نظافة المجتمع بالأجر و الثواب الجزيل.
        è نهي أفراد المجتمع عن القيام بأعمال تتسبب في نشوء  المشاكل الاجتماعية، و توعد المخالفين بسوء المصير في الدنيا و الآخرة.
و بعد استنفاد كل الحلول الوقائية، ووجد في المجتمع مظاهر لمشكلة اجتماعية ما، فإن الإسلام في هذه الحالة تدخل بكل حزم و صرامة لينهي وجودها و كان هذا التدخل على شكل حلول علاجية كان أهمها:
       è فرض عقوبات رادعة على كل متسبب في انتشار المشكلة و إخراجها للوجود.
       è فرض أعمال على أفراد المجتمع يكون من شأنها الإسهام في معالجة المشكلة الاجتماعية.
       è ترغيب أفراد المجتمع في كل ما يحقق استقرار المجتمع ويحافظ على هدوئه.
       è التصدي للهجمات الفكرية الهدامة.
و من خلال هذه النظرة السريعة على كيفية تعامل الإسلام مع المشاكل الاجتماعية و الوسائل التي تبناها في معالجتها ، نلاحظ أن الإسلام ركز و بشكل كبير على الحلول الوقائية و أولاها اهتماما بالغا، فكان لكل حل يتبناه الإسلام طرقا عديدة و مختلفة، و ما ذاك إلا لكون أن الإسلام سعى من أجل أن يعيش المجتمع حياة سليمة هادئة متوازنة ، و لم يكن هدفه من خلال تعامله مع المشاكل الاجتماعية أن يغرق أفراد المجتمع في عقوبات تثقل كاهله و تستنزف طاقته و قدراته .
فكان هذا النهج السوي سرا من أسرار نجاح الإسلام الباهر في معالجة المشاكل الاجتماعية و إنقاذ المجتمع من ويلاتها و مستنقعاتها .
و في نهاية موضوعي هذا لا يسعني  إلا أن  أعتذر عن  تقصيري  في منح هذا  الموضوع  الحق  الذي يستحقه، فعظمة الإسلام في موضوع كهذا لا يمكن ألبته  أن  تضمها  صفحات  معدودة، و لا أن يدركها طالب هو لا يزال في بداية  الطريق، لكنها  محاولة  أرجو  من  الله أجرها و أن تكون لي ذخرا يوم ألقاه ...




و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.





هل أعجبك الموضوع ؟

تعليقات المدونة :